lundi 17 mars 2008

جدلية الحداثة التغريبية


لعل أغرب ابتكارات الحداثيين التغريبيين في عالمنا الإسلامي زعمهم أن كل ما هو قديم يتعارض مع الحداثة وبما أن«النص الديني» قديم في تقديرهم فلا يمكن حينئذ أن «يكون الأدب حديثا إلا اذا رفض كل نص مقدس» (كمال أبو ديب (. ولا يمكن لعاقل أن يقبل مثل هذه المعادلة التي تتنكر لأبسط حقائق الوجود، فالواقع لا يقر أبدا برفض القديم لأنه قديم أو قبول الجديد لمجرد انه جديد، بل يقبل الإنسان عادة على الأشياء التي يراها قادرة على تحقيق رغباته والإيفاء بحاجياته وتجسيد طموحاته.. فنحن حين نقرا للمعري مثلا أو المتنبي أو أبي نواس لا شك أننا نستفيد من تجربتهم الشعرية رغم طول العهد بيننا وبينهم، وبالتالي لا يمكن أن تطرح قضية الحداثة من حيث القدم أو الجدة بل الأصح أن تطرح قضية الحداثة من ناحية قيمة الشيء ومدى فاعليته في حياتنا المعاصرة. فما نراه نافعا لنا وقادرا على دفعنا نحو التجاوز والإبداع الأدبي أو التقدم الحضاري نستحضره ونأخذ منه ما يروق لنا وندع ما لا نفع فيه، فالمسالة لا تتعلق بمدى جدة الشيء أو قدمه زمنيا بقدر ما تتعلق«بجدوى الشيء أولا جدواه». فالشاعر طرفة بن العبد مثلا لا يزال حاضرا في ذاكرتنا فاعلا رغم طول العهد بيننا وبينه في حين يموت بعض شعراء« الحداثة » قبل أن يولدوا.
أما بخصوص النّص الدّيني ولأفترض أن- المقصود به القرآن – فلم تقف ولن تقف نصوصه –قديما أو حديثا- حجر عثرة في وجه الإبداع الأدبي أو غيره من المجالات الإبداعية والحضارية لسبب بسيط وهو أن هذه النصوص لم تتناول أبدا المتغيرات التي يمكن أن تطرأ على الحياة البشرية في أي زمان أو أي مكان وإنما نصت جميعها على الثوابت / الحقائق في الكون والإنسان والحياة وتركت للإنسان حرية التصرف في المتغيرات التي يمكن أن تطرأ على حياته بشرط أن يستلهم المسلم في اجتهاداته المختلفة تلك الثوابت ويستنير بحقائقها.. ولنأخذ مثلا قضية العلم، فالنص القرآني لم يحدد مطلقا الوسائل والأساليب التي يمكن أن يتبعها الإنسان لتحصيل العلم واختراق الآفاق لأنها متغيرة بتغير الزمان والمكان وبحسب اجتهاد الإنسان، لكنها أجمعت كلها على ضرورة طلب العلم واعتباره مفتاحا لكل ما يفيد الإنسان في دنياه وأخرته ولا يصح إيمان المرء إلا بالعلم الصحيح الذي هو القرآن...

إن أولئك الذين يربطون الحداثة بالمتغيرات الدائمة دون الارتكاز على ثوابت تحمينا من المنزلقات والمعوقات الخطيرة يريدوننا أن نكون كالشجرة التي اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار فلا تثمر أبدا بل تزداد يبسا على مر الزمن.أما الثوابت الواردة في النص القرآني / الديني فهي قادرة على جعلنا شجرة يانعة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها – إن نحن استرشدنا بها واتخذناها بصائر لنا – حتى لا نسير بالبشرية في دياجير الظلمة والضبابية المهلكة كما هوبائن في الحضارة الغربية المتداعية للسقوط.!.بل نشبع جوعها ونروي عطشها ونهديها طريق الأمن ورحمة السماء.
فالمتغيرات« الحداثية» إذن تدعونا إلى الضبابية وترك زمام أمورنا تذروها الرياح، مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ديدنا التردد والحيرة والتيه في دياجير الظلمة والتخلف والانحطاط.

Aucun commentaire: