lundi 17 mars 2008

الإسلام وتحدّيات القرن 21


في أواخر القرن التّاسع عشر الميلادي كانت حركات الاستعمار الكبرى للعالم الإسلامي تركز قواعدها في الهند ومصر والجزائر وتونس والسودان.. كحلقة أخيرة من حلقات تطويق العالم الإسلامي والانقضاض على ثرواته ونهبها. وكان قد مهد لهذا الاستعمار بغزو حضاري نشيط، ابتدأه وألهب شرارته الأولى في ديار الإسلام ما يسمون عندنا «بزعماء الإصلاح العرب»! وهكذا تراجعت الرّابطة الإسلامية كشكل من أشكال البناء السّياسي القائم أمام ضربات الاستعمار الموجعة وقد توّج ذلك بسقوط الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1924م على يد كمال أتاتورك.
لقد تمزقت الوحدة الإسلامية خلال القرن العشرين وتنازعت الدّول الكبرى ميراث الإسلام وسيطرت على أضخم قواعده وقدراته واندفعت الحركة الصّهيونية العالميّة من خلال مخطـّطات الاستعمار تسيطر على فلسطين وتجعل من احتلال بريطانيا للقدس مقدمة لسيطرتها عليها بعد خمسين عاما.
ولقد قاوم المسلمون في معارك حاسمة في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي في أفغانستان والقرم ومصر وسورية والجزائر والعراق وباكستان وحققوا بعض الانتصارات وتحرّرت البلاد الإسلاميّة من نفوذ الاستعمار العسكري المباشر وانبعثت من قبله «حركة تنويرية تحرّرية» بعد طول سبات.
غير أن حركة التـّنوير والتـّحرر لم تلبث أن واجهت عقبات كأداء في العقود الأخيرة من القرن الماضي وبداية هذا القرن الجديد، فقد تحالف الاستعمار الغربي والصّهيونية من أجل ضرب حركة التـّنوير والتـّحرّر ودفعها للانحراف عن ثوابتها الإسلامية ومفاهيمها القرآنيّة.. ومن ثم فانّ أخطر التحدّيات في السّنوات الأخيرة تتمثل في الحفاظ على الذّاتية الإسلاميّة وحماية الهوية الثقافية لشعوبنا الإسلامية، وتطوير هياكلها وتحرير العقل المسلم من الجمود الفكري ومن الأخطار الفكرية والمفاهيم الثقافية المنحرفة عن هداية الله التي تلقى إليه عن طريق وسائل الإعلام والاتصال المختلفة والتبشير والاستشراق والشعوبية من أجل إذابة الهوية الحضارية لأمتنا الإسلامية لدعوى "الحداثة" و"العولمة" و"العلمانية" و"اللائكية"... وهي دعاوى وإن اختلفت مسمياتها إلا أنّها تتّـفق على أن يترك المسلمون ثوابت دينهم الإسلامي ومفاهيم قرآنهم المتطابقة مع حقائق الكون والإنسان والحياة وتغييرها بفلسفات مريضة وتيّارات جانحة منحرفة من الفكر والثقافة والاعتقاد ونظرة خاطئة لحقيقة الألوهية والقدر حتى يسهل للغرب الاستعماري بعد ذلك السّيطرة علينا ونهب ثرواتنا واستغلال شعوبنا وإخضاعها لأطروحاته المعادية لكل مصالحنا...
هذا هو التحدي الكبير الذي يواجهه المسلمون في بداية هذا القرن!؟ فالقضاء على أصالة هذه الأمة وكيانها الفكري والروحي هو مقدمة لتحقيق مآرب الصهيونية اللقيطة في الاستيلاء على أرض المسلمين وخيراتهم بمساندة الغرب الاستعماري وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية!؟.
إنّ كلّ هؤلاء لا يخفون عداءهم لحملة الرّاية الإسلامية الذين اختاروا طريق الأنبياء والصّالحين في الانتصار للحق وإعلاء كلمة الله والتّمكين لشريعته في الأرض...وهذا العداء تتفق عليه مختلف تشكلانهم الثقافية والسّياسيّة والعسكريّة...
وخلاصة ما يسعى إليه الغرب الاستعماري بمعية الصّهيونية العالميّــة اللقيطة هو التدجين والاحتواء. ولعل أبرز التّحديات التي واجهت المسلمين لتدجينهم واحتوائهم تتمثل في تحريف مفهوم الإسلام وتشويهه وإخراجه من طابعه المتكامل الجامع بين الدنيا والآخرة – إذ أن حياة المسلم وكل أعماله في الحياة الدّنيا هي عبادة وتقرّب لله رب العالمين في المنظور الإسلامي -إذا ما اهتدت أعماله وكل سلوكياته بهدي القرآن العظيم- متّهمين شريعته بالتّخلف والرّجعية! ونادوا بعزله عن الحياة كما فعل اليهود والمسيحيون من قبل والذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله يشرعون لهم ويحددون لهم مفاهيم الحياة البعيدة كل البعد عن حقائق الوجود..! ودعوا إلى "اللائكية" و"العلمانية" بديلا عنه!؟ كما استغلوا جهل العامة والخاصة –من النخب المتغربة- بأهمية الشريعة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية في الحفاظ على مكتسبات الأمة المسلمة وحماية النفس البشرية والكيان الاجتماعي من السقوط والانهيار ونادوا بالتحلل منها واستبدالها بقوانين الغرب وشريعته - والتي حولت العالم إلى غابة وحوش ضارية يأكل القوي فيه الضعيف!؟- رغم عدم انسجامها مع خصوصيتنا الحضارية وقيمنا الثقافية ومفاهيمنا الإسلامية !؟ ثم امتدت دعوة التغريب فزيفت المفاهيم حرفت الكلم عن مواضعه وشوهت المبادئ التي أقامت الحضارة الإسلامية وأوصلتها إلى أقاصي الأرض واستمد منها المسلمون القوة على الصمود والقدرة على الفعل وبناء القوة والعزة والحضارة لردح طويل من الزمن.. ويمكن حوصلة الهجمة الغربية – الصهيونية على الإسلام في النقاط التالية:
* محاربة الإسلام بنظريات زائفة كالتي تزعم أن الدين ليس سوى الانعكاس الواهم في دماغ البشر للقوى الطبيعية التي تسيطر على وجودهم اليومي (نظرية كارل ماركس).. كما شكلت مصنفات ما يسمون بفلاسفة الأنوار في القرن الثامن عشر ميلادي أرضية خصبة لمحاربة الدين عامة والفكر الإسلامي خاصة، من بعد ما تبنته نخبة هامة من" زعماء الإصلاح" في البلاد الإسلامية، ولم يدرك هؤلاء أنهم كانوا يحفرون مقابر حضارتهم الإسلامية بأيديهم!.
* محاربة القيم والمبادئ الإسلامية وكل القيم النبيلة التي تنسجم مع فطرة الإنسان السوي، بدعوى أنها قيما نسبية ومتغيرة، ومرتبطة بالبيئات والعصور وتختلف باختلاف الحضارات!.
* الدعوة إلى هدم الأسرة باعتبارها من مخلفات المجتمعات الإقطاعية وعصور الانحطاط والتشجيع على العلاقات المنحرفة كاللواط والسحاق والإجهاض كحل لبعض المشكلات الأسرية.
* الدعوة إلى قيام العلاقات البشرية على أساس المصالح المادية والعرقية والاثنية وإثارة العصبيات الطائفية والعرقية..
* محاربة اللغة العربية الفصحى، لغة الإسلام الأولى ولغة القرآن الكريم لإدراكهم الارتباط الوثيق بين اللغة العربية والدين الإسلامي ومجد ووحدة المسلمين، وقد عملوا جاهدين على ترويج الدعاوى التي تتهم اللغة العربية الفصحى بالعقم والبداوة والقوا عليها مسؤولية التخلف الحضاري للمسلمين ورفعوا شعار «من أراد التقدم والرقي فلا يتكلم اللغة العربية» زاعمين بعدم استجابة الفصحى للحضارة الحديثة وأنها لا تستوعبها وهي عسيرة على من يتعلمها ؟!
* اعتماد مناهج تربوية بعيدة كل البعد عن المنهج الإسلامي في تربية الإنسان المسلم المثبت من الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، المستضيء بنور الله الذي لا يخبو أبدا«قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين».
* خلق مفهوم صراع الأجيال حتى يسهل بعد ذلك دفع الشباب إلى الانهيار والتمزق في ظل فراغ نفسي وفكري وثقافي وعطش روحي.... وقد تخفوا وراء مذاهب ونظريات منحرفة مغرضة اثبت العلماء المحايدون تفاهتها وعدم ارتكازها على حقائق علمية ثابتة وانبناؤها على الظن والتخمين وليس لها أية صلة بالواقع، بل وقدرتها الفائقة على تخريب عقول الناشئة وصنع الرجال الجوف !
إن مجابهة هذه التحديات وغيرها تبدأ بتجديد الثقافة الإسلامية الصحيحة المبنية على الثوابت الإلهية الحقة انطلاقا من ثوابتنا القيمية والحضارية ومفاهيمنا الإسلامية المبثوثة في ثنايا الذكر الحكيم، إذ لا يعقل أن نجابه مفاهيم الزيف الحداثي والعولمة بمفاهيم عصور الانحطاط البالية في تاريخنا الإسلامي ودون أن نطور مفاهيمنا ونصححها ونجعلها تأخذ بالألباب كما أخذت بألباب رجال الجاهلية الأولى لإنبنائها على الحق والنور الإلهي.


1 commentaire:

Unknown a dit…

في أوج الأزمة السياسية التي تمر بها الدولة الأمريكية (ترامب)رمز الدولة يذكر العالم و الأمريكيين بحقيقة هوية دولتهم برفعه الإنجيل أمام كنيسة ملاصقة للبيت الأبيض بعد أن تم تنصيبه رئيسا للدولة انطلاقا من هذه الكنيسة البروتستانتية الإنجيلية .
https://www.facebook.com/harthalhounafa3000/posts/925702027908127
===========
الإسلاميون والعلمانيون و التحيل على هوية الشعب الدستورية و الدينية ؟

https://youtu.be/IeNaWfIQCAI
https://youtu.be/jHfGoXNzFpI
https://youtu.be/VwbZge187Ck
نحو خلافة ربانية في تونس الثورة
http://islamonegodintunisanrevolusion.blogspot.com/
islam3000.blogspot.com
http://islam3000.blogspot.com/2008/03/
http://islam3000.blogspot.com/2008/03/21.html
الإسلاميون والعلمانيون و التحيل على هوية الشعب الدستورية و الدينية ؟
https://youtu.be/IeNaWfIQCAI
https://youtu.be/jHfGoXNzFpI
https://youtu.be/VwbZge187Ck

نحو خلافة ربانية في تونس الثورة
http://islamonegodintunisanrevolusion.blogspot.com/
islam3000.blogspot.com
http://islam3000.blogspot.com/2008/03/