lundi 17 mars 2008

الإعلام العربي


لشدّ ما تقلقني تلك التحاليل التي ترجع كل مآسينا الحضارية كالقهر والتسلط وهيمنة الخطاب الواحد على وسائل إعلامنا العربية إلى عنصر واحد أو فرد واحد ألا وهو القائد أو الزعيم.
وسبب قلقي ان مثل هذه التحاليل من شأنها أن تغطي على مواطن الخلل في مجتمعنا ولا تعالجها بكيفية ناجعة، لآن شرط العلاج الصحيح هو التشخيص السليم والشامل لأسباب الخلل، إذ لا يعقل مثلا الزعم بأن التخلف الذي يهيمن على وسائل الاتصال عندنا مرده الولاء لقائد سياسي أو لنظام حُكم معين، فالقائد السياسي لا يزيد عن كونه يمثل رمزا لقوى اقتصادية واجتماعية وسياسية تختفي وراءه هذه القوى حتى لا يطالها النقد والتجريح. لذلك فهي في سعي دائب لتكريس واقع التخلف باحتكارها لوسائل الاتصال الجماهيرية، حتى لا توظف هذه الوسائل في توعية أفراد الأمة بحقوقهم في الانتفاع بثروات الوطن، ومشاركة هذه الشرذمة في الثروات والخيرات التي اغتصبوها ظلما وعدوانا من عرق جبين الأمة. وخير وسيلة تتبعها هذه الشرذمة تتمثل في صناعة "صنم بشري" تضعه في الواجهة لتحقيق مآربها. وتحيك حوله الأساطير وتنشط في تزييف الحقائق لإقناع الناس بضرورة الصبر لأن القائد الأوحد/ الصنم بصدد حل جميع مشكلاتهم، وهكذا يخلقون الأمل الزائف تلو الأمل ليبقى الناس يتضورون جوعا وفقرا وبطالة وقهرا ومرضا صابرين وهم في شوق ليوم قادم لن يأتي أبدا.
إن هذه القوى المحتكرة لثروات الأمة لا يمكنها أن تعيش إلا في ظل واقع مريض يوفر لها أسباب الاستمرار في احتكار الثروة والمسؤولية. والشرط الأساسي لاستمرار هذا المرض يتمثل في احتكار وسائل الاتصال الجماهيرية لأن انفلات هذه الوسائل من أيدي هؤلاء المحتكرين يعني بروز رجال صادقين ينصحون الأمة ويكشفون الزيف والنفاق ويحاربون الظلم والاحتكار وهذا من شأنه أن يفقد هؤلاء هيبتهم المصطنعة وثروتهم التي بنوها على جماجم الفقراء والمضطهدين.

Aucun commentaire: