lundi 17 mars 2008

الهجرة في سبيل الله


تعني الهجرة بأبسط مدلولاتها الانتقال من مكان إلى مكان وهجر مكان إلى أخر لأكثر من سبب، وهي قضية قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض... لكننا سنهتم فيما يلي فقط بالهجرة في سبيل الله ومفهومها في القرآن.. تبتدئ الهجرة إلى الله باعتزال فكري/ نفسي داخل المجتمع الذي يحيا فيه المؤمن وذلك بالانخلاع من العادات والعبادات والتصورات والمفاهيم غير الإسلامية... وتنتهي بهجرة عملية حركية بالانتقال من موقع إذا ما تبين عقمه في مجال العطاء الإسلامي إلى مواقع أخرى أكثر خصبا ونماء..
1- الاعتزال الفكري/ النفسي وعدم الركون إلى الظلم:
الاعتزال الفكري يعني معرفة الحق ومن ثم الارتحال إليه فكريا والالتزام به قولا وعملا والثبات عليه والاستمساك به، وهو طريق الرسل عليهم السلام وكل الذين اختاروا السير على دربهم من المؤمنين عبر مختلف أحقاب التاريخ البشري – منذ نزول ادم عليه السلام إلى الأرض-. وهي ثمرة الأيمان بالله خالق الكون والإنسان والحياة، وتوحيده والخضوع لأمره، وبالتالي هي اصطباغ بالمفاهيم الإسلامية في النظرة للكون والإنسان والحياة والمجتمع التي ضمنها الله كتابه المعجز الموحى به إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. .يقص القرآن علينا قصة أصحاب الكهف – الفتية الذين امنوا بربهم : « هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا. وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا» (سورة الكهف الآيتين 15 و16). كما اخبرنا الله عن قصة نبيه إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه: « واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا» (سورة مريم الآية 4).
إن الإيمان بالله يوجب على المسلم الاستقامة بإتباع الوحي في كل صغيرة وكبيرة دون تجاوزه مهما كانت المبررات والضغوطات.!«فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا انه بما تعملون بصير. ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون» (سورة هود الآيتين112 و113).
إن استمساك المؤمن بالحق والخضوع لأوامر الله ونواهيه في العقيدة وما ينبثق عنها من سلوك قويم في مختلف ميادين الحياة ليس بالأمر الهين في محيط مجتمع تهيمن على معتقدات أفراده الأباطيل والخرافات وعلى سلوكياتهم وأقوالهم الظلم والفساد والمنكر والتقليد الأعمى لميراث الأجداد بغثه وسمينه:«وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان إباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون»(سورة البقرة الآية 170)... إن التعارض والتضاد والتناقض حد العداء بين ما أصبح ينتهجه المؤمن من سلوك قويم مستندا في ذلك إلى أوامر الله في القرآن بفضل إيمانه بالله رب وحيد لكل مفاهيمه في الحياة وبين معتقدات المجتمع ومفاهيمه التي ترتكز أساسا على موروث الآباء والأجداد أو ما ترتئيه أهواؤهم أو ما يشرعه لهم نخبهم ورجال أديانهم... ينتج عنه حتما صراع بين أهل الإيمان الذين يستمدون مفهوم حياتهم من القرآن وبين أهل المعتقدات الزائفة. فيبدأ أهل الضلالات في أذية المؤمنين اعتقادا منهم أن الأذى قد يعيد المؤمنين إلى دائرة الجهل والطواغيت التي تعبد من دون الله وتطاع وتتخذ مرجعا في تقويم السلوك وسن التشريعات.. لكن الإيمان بالله يشحن المؤمنين بقدرة على تحمل إلاّ ذي والصبر على المكاره ومكر المناوئين والاستقامة كما أمر الله عز وجل في كتابه العزيز طمعا في مرضاته والفوز بجنته وعدم إتباع أهواء الذين لا يعلمون، متخذين من الرسول الكريم قدوة لهم: «قل يا عبادي الذين امنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وارض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب» (سورة الزمر الآية 10).«لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا»(سورة الأحزاب الآية 21)

2- الهجرة في سبيل الله:
تعد الهجرة معلم خالد من معالم الدّعوة إلى الله وتحقيق العبودية لله رب العالمين.. وهي إحدى وسائل الصراع وصور المواجهة في المعركة بين الحق والباطل وطريقة للاستمساك بالحق والانتصار له... فهي في مضمونها وفي أصل شرعيتها انتصار للإيمان واستعلاء به وتحطيم للأغلال والقيود التي يحاول أعداء الحق إحكامها حول المؤمنين، وكسر للحواجز التي تحيط بالمؤمنين حتى لا يبلغوا دعوة الله، وسبيل لعدم السقوط تحت أقدام الطغاة والجبابرة استذلا لا واستعطافا لان ذلك يتنافى وكرامة الإنسان المؤمن وعزة نفسه.. لذلك يلاحظ المتأمل لحركة النبوة -من لدن ادم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم- بان التفكير بالهجرة لا يبدأ والإذن بها لا يتحصل إلا عندما يستحيل أمر الدعوة ويحاط بها من كل جانب ويهدد الدعاة إلى الله في حياتهم وعندما تنعدم كل الخيارات إلا خيار الهجرة.. ومثال ذلك هجرة سيدنا موسى عليه السلام إلى مدين عندما أحيط به من كل جانب «وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين» (سورة القصص الآية 20 ). كما تقررت هجرة ا لرسول محمد صلى الله عليه وسلم وإذن بها لما اجتمع كيد الكفار في دار الندوة على الاشتراك في قتله وتوزيع دمه على القبائل «وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» (سورة الأنفال الآية 30).
فالهجرة تتوجب عندما تفتقد الفاعلية ويتوقف العطاء على أرض المعركة وانسحاب مؤقت للعودة للمواجهة بوسائل أخرى، وهي ليست حركة انسحابية من المجتمع وتخليا وهروبا من مواجهة الظلم واستسلاما لواقع اليأس والإحباط.. وليس إيثارا للراحة وطلبا للعافية ولو كان الأمر كذلك لفقدت الهجرة هدفها وثوابها وأثرها وكونها وسيلة من وسائل التغيير الاجتماعي التي اعتمدها الأنبياء/ القدوة عليهم السلام .. لذلك لا يجوز للمؤمن التفكير في الهجرة إلى خارج الأرض التي يسكنها إلا إذا سدت الآفاق أمامه وفتن في دينه وظلم..«والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة اكبر لو كانوا يعلمون. الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون» (سورة النحل الآية 41 و42).
فالهجرة في سبيل الله هي إذن مواصلة للدعوة إلى الله والبحث عن النصرة لدين الله والتمكين لشريعته في ارض الله الواسعة:«ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم» (سورة النحل الآية 110)، لان المؤمن يعتقد أن الأرض كلها لله يورثها عباده الصالحين، «الموسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» (سورة الأعراف الآية 128 ). بل إن انتصار الحق على الباطل وتمكين الله للمؤمنين في الأرض هو قانون من قوانين الله في الكون والحياة:«ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون»(سورة الأنبياء الآية 105 ).










Aucun commentaire: